السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... مثل ما للعرب الأوائل من معلقات فإن للعرب الأواخر معلقات أيضا وهذه إحدى معلقات وكنوز موروثنا الشعبي الغالي، فموروثنا الشعبي يزخر بالكثير من القصص القيمة والرائعة والعظيمة التي سطر مواقفها وأحداثها رجال من جزيرتنا العربية فحفظها التاريخ الأصيل لتبقى للأجيال درساً وموعظة وضربت بأحداثها الأمثال في المجالس العربية والأشعار العامية وهذه احدى تلك القصص النادرة التي لا يمكن أن يتم التطرق لموضوع الصبر أو الجيرة بدون أن تذكر قصة المهادي ومفرج السبيعي ففي هذه القصة من الطيب والشجاعة والصبر والحكمة والموعظة الشيء الكثير، وفيها من حقوق الضيف والجار القدر الكبير، وفيها من النخوة والشهامة الزخم الوفير محمد المهادي من فخذ عبيدة من قبيلة قحطان ومفرج السبيعي من قبيلة سبيع وقد عاشا في القرن الحادي عشر الهجري وللمهادي والسبيعي حكاية غريبة عجيبة وان اختلفت روايتها إلا أنها تبقى رمزا للتضحية والوفاء والإيثار وتقدير الجار للجار في أروع الصور التي يمكن للعقل تصورها ، وقصتهما بشكل عام هي أن المهادي نزل على قبيلة سبيع وهو في طريقه ومكث عندهم أيام عشق خلالها بنت عم مفرج السبيعي ولم يكن يعرف أنها بنت عم السبيعي ونظرا لتوطد علاقته مع مفرج السبيعي اتجه المهادي لمفرج كي يخطبها له وكان السبيعي يحبها وهي تبادله نفس الحــب وعلى موعد للزواج قريبا ولكن السبيعي اكراماً للمهادي لم يخبره بتلك الحكاية وزوّجها له بغير رضاها وعندما علم المهادي من البنت عن الحكاية كاملة بقي معها اسبوع ثم طلقها لتعود لابن عمها ورحل المهادي إلى دياره، وعندما دارت الدنيا على السبيعي وأصابه ما أصابه من سؤ الأحوال تذكر صديقه المهادي فرحل إليه هو وزوجته واولاده فاستقبله المهادي أحسن استقبال وأنزله في بيته، وفي نفس الليلة التي نزل بها السبيعي على المهادي قام السبيعي عن غير قصد بقتل ولد المهادي فكبرت المصيبة على مفرج ولكن المهادي هوّنها وكأن شيئاً لم يكن وبقي السبيعي في ديار المهادي ضيفاً مكرماً وصديقاً مقربا للمهادي فترة طويلة من الزمن ، وفي ذات ليلة سمع مفرج من جاره المهادي كلمات احتار في تفسيرها فقد كان المهاادي يقول (.. اما ارحلوا والارحلنا ..) فرحل السبيعي مستغربا عدم معارضة المهادي لرحيله ، ولكن السبيعي لم يهدأ فقد اخذ يبحث عن السبب فاكتشف ان السبب هو أن أحد أولاده قد قام بمضايقة بنت المهادي فتره طويلة وصلت إلى ما يقارب الثمان سنوات سنوات وهو يراودها عن نفسها والمهادي صابر لا يتكلم حتى أخبرته ابنته بأن الولد يكبر وقد قويت شكيمته ولم تعد تقوى على صده وبسبب ذالك قال المهادي الكلمات التي حيرت السبيعي ( ارحلو والارحلنا ) .فما كان من السبيعي الا أن قام بقتل ابنه اكراما ً لجاره المهادي ووضع رأسه في كيس وأرسله مع أكبر أبنائه إلى المهادي بعد أن رحل عنه ، وما كان من المهادي إلا أن لحق بالسبيعي وأرجعه إلى دياره وعاشا جيران بقية العمر معاً ، وهناك رواية تقول بل زوّج البنت لابن مفرج الذي أتى حاملا رأس أخيه في الكيس وعاد الابن بزوجته لوالده ثم رحلوا لديارهم ، وقد قال المهادي قصيده يتحسر على فراق مفرج السبيعي عندما رحل عنه
يقول المهادي والمهـادي محمـد
وبه عبرةٍ جمل الملأ مـا درابهـا
أنـا وجعـي مـن علـةٍ باطنيـة
بأقصى الضماير ما دري وين بابها
تقد الحشا قـد ولا تنثـر الدمـاء
ولا يدري الهلبـاج عمـا لجابهـا
إن أبديتها بانـت لرماقـة العـدا
وان أخفيتها ضاق الحشا بالتهابها
ثمان سنين وجارنـا مجـرمٍ بنـا
وهو مثل واطي جمرةٍ ما درابهـا
وطاها بفرش الرجل لو هي تمكنت
بقى حرها ما يبرد الماء التهابهـا
ترى جارنا الماضي على كل طلبـة
لو كان ما يلقـى شهـودٍ غدابهـا
ياما حضينا جارنـا مـن كرامـة
بليلٍ ولو بني الغبـا مـا درابهـا
وياما عطينا جارنـا مـن سبيّـة
ليا قادهـا قوادهـا مـا انثنابهـا
نرفا خمال الجـار لـو داس زلـة
كما ترفا بيـض العـذارا ثيابهـا
ترى عندنا شات القصير بها أربع
يحلف بها عقارهـا مـا درابهـا
تنـال بالمهـادي ثمـانٍ كوامـل
تراقى وتشدي بالعلا من صعابهـا
لا قـال منـا خيـرّ فـرد كلمـة
بحضرة خـوف الزرايـا وفابهـا
الأجواد وان قاربتهـم مـا تملهـم
والأنذال وان قاربتها عفت مابهـا
الأجواد وان قالوا حديـثٍ وفوبـه
والأنذال منطوق الحكايـا كذابهـا
الأجواد مثل العد من ورده إرتوى
والأنذال لا تسقـي ولا ينسقابهـا
الأجواد تجعل نيلها دون عرضهـا
والأنذال تجعل نيلها فـي رقابهـا
الأجواد مثل الزمل للشيل ترتكـي
والأنذال مثل الحشو كثير الرغابها
الأجواد وان ضعفوا فيهم عراشـة
والأنذال لو سمنوا معايا صلابهـا
الأجواد يطرد همهم طول عزمهـم
والأنذال يصبح همها فـي رقابهـا
الأجـواد تشبـه قـارةٍ مطلحبـة
لا دارها البردان يلقـى الذرابهـا
الأجواد مثل الجبـال الـذي بهـا
شـربٍ وظـلٍ والـذي ينهقابهـا
الأجواد صندوقين مسـك وعنبـر
لا فتحـت أبوابهـا جـاك مابهـا
الأجواد مثل البدر في ليلة الدجـى
والأنذال ظلماً تايهٍ مـن سرابهـا
الأجواد مثل الدر في شامخ الـذرا
والأنذال مثل الشري مرٍ شرابهـا
الأجواد وإن حايلتهم مـا تحايلـوا
والأنذال أدنى حيلـة ثـم جابهـا
الأنذال لو غسلوا إيديهم تنجسـت
نجاسة قلوب مـا يفيـد الدوابهـا
يا رب لا تجعـل بالأجـواد نكبـه
حيث لا ضاع الضعيـف التجابهـا
أنا أحب نفسي يرخص الزاد عندها
يقطعك يا نفـسٍ جزاهـا هبابهـا
لعل نفـسٍ مـا للأجـواد عندهـا
وقارٍ عسى ما تهتني في شبابهـا
عليك بعين السيـح لاجيـت وارد
خل الخباري فـإن ماهـا هبابهـا
ترى ظبى رمان برمـان راغـب
والأرزاق بالدنيا وهو مـا درابهـا
سقى بالحيا ما بين تيمـا وغـرّب
شمال غميق الجوع ملقى هضابها
سقاها الولي من مزنـةٍ عقربيـة
تنثر دقاق الماء في مثاني سحابها
لمطرت ذي ورعدت ذي بساق ذي
سنا ذي وذي بالماء غارقٍ ربابها
نسف الغثا سيبان ماها ليا أصبحت
يجي الحول والماء ناقعٍ في ترابها
دارٍ لنـا مـا هيـب دار لغيـرنـا
والأجناب لو حنـا بعيـدٍ تهابهـا
يذلون من دهمـا دهـومٍ نجرهـا
نفجي بها غرات مـن لا درابهـا
ترى الدار كالعذرا ليا عـاد مابهـا
حرٍ غيورٍ فكل مـن جـاء زنابهـا
ياما وطن سمحات الأيدي من الوطا
وعدينا عنها من دنا من هضابهـا
تهامية الرجليـن نجديـة الحشـا
عذابي من الخلان وأنـا عذابهـا
له بياض عيـون المـاء منـازل
عذب زلال الماء قـراحٍ شرابهـا
سقاني بكـأس الحـب در منهلـه
عندلٍ من البيض العذارا أطنابهـا
أريتك ليا مسنـا الجـوع والظمـأ
واحتر من الجوزاء علينا التهابهـا
وحما علينا الرمل واستاقد الحصى
وحما على روس المبادي هضابها
وطلّن عذارا من ورانـا يشارفـن
عماهيج مطـوي العبايـا ثيابهـا
ليا نزل منا في منزل هجر نولهـا
مراغيث تستن لولاك في عقابهـا
غرنا على البراق في جال تيمـاء
وأخذنا عليه ابـلٍ طـوالٍ رقابهـا
طوينا سقي الهلباج عن شمخ الذرا
جينـاه مـع داويـةٍ مـا درابهـا
قطعنابهم الحبـل القصيـر وبيننـا
صفون كما أفواه القوالي ارقابهـا
ولحقوا مغاويرٍ على كـور حـزّب
على رمك كـن الظـلام انكسابهـا
قلت اللهم لا بلّهـم وابـل الحيـا
ولا جاذبوا بيض الترايـب ثيابهـا
ليا سرت منا يا سعود بـن راشـد
على حرةٍ نسل الجديعي ضرابهـا
سرها وتلقى مـن سبيـعٍ قبيلـة
كرام اللحا في طوع الأيدي لبابهـا
فلابـد مـا نفجـأ سبيـع بغـارة
على جرد الأيدي درعوها زهابهـا
عليها من أولاد المهـادي غلمـة
لا طعّنوا مـا ثنّـوا فـي عقابهـا
وأنـا زبـون الجاذيـات محـمـد
ليا عزّبوا ذود المصاليـح جابهـا
محالله عجوزٍ من سبيع بن عامـر
ما علمت غرّانهـا فـي شبابهـا
لها ولدٍ مـا حـاش يـومٍ غنيمـة
سوى كلمةٍ عجفا تمـزا وجابهـا
يعنونها عسمان الأيدي عن الخطأ
محالله دنيا مـا خذينـا القضابهـا
عيون العدا كم نوخن مـن جديلـة
لا قـام بـذاخ السوالـف يهابهـا
أنا أظن دارٍ شـد عنهـا مفـرج
حقيقٍ يا دار الخنـا فـي خرابهـا
وأنا أظن دارٍ نـزل يمهـا مفـرج
لابـد ينبـت الزعفـران ترابهـا
فتى ما يظلـم المـال ألا وداعـة
ولو يملك الدنيا جميـعٍ صخابهـا
فتى يذبح الكوم وسديـس وحايـل
لا قيل يبزا زادهـا مـن عذابهـا
رحل جارنا ما جـاه منـا رزيّـة
وان جات ما يأتيـه منـا عتابهـا
وصلوا على سيد البرايـا محمـد
عدد مالعا القمري بعالي هضابهـا
وإلى اللقاء مع قصة ٍ وقصيدة من تراثنا الخالد ... دمتم سالمين من كل مكروه ...